مرحبا بكم على الواجهة الجديدة لبرشلونة الأدبية

صدور رواية "المرضية" لأحمد الشهبي: صرخة ناعمة في وجه البرّ القسري

صدرت حديثًا عن دار عبودة للنشر رواية "المرضية" للكاتب أحمد الشهبي، في عمل سردي يمتد على 265 صفحة، توزعت بعناية على عشرة فصول متماسكة، لكنّ ما تخفيه هذ

 



صدرت حديثًا عن دار عبودة للنشر رواية "المرضية" للكاتب أحمد الشهبي، في عمل سردي يمتد على 265 صفحة، توزعت بعناية على عشرة فصول متماسكة، لكنّ ما تخفيه هذه الصفحات أكبر من مجرد حكاية. إنها ليست رواية تُروى، بل معاناة تُحسّ، نصّ يمشي بك على حدّ السكين، بين ما نرضاه وما يُفرض علينا.

في قلب هذا العمل تقف "خديجة"، امرأة لم يُكتب لها أن تكون كما تريد، بل كما يُنتظر منها أن تكون. لقب "المرضية" الذي تحمله ليس مجرد صفة اجتماعية تُلصق بها، بل قيد وجودي ثقيل، يشدّها نحو الأسفل كلما حاولت النهوض. ومن خلال خديجة، يبني الشهبي عالمًا مألوفًا إلى حدّ الألم: أسرة، وأدوار، وأصوات تُملي عليك كيف تعيش… دون أن تسأل عن رغبتك.

ليست "المرضية" رواية بطولات، بل حكاية انكسارات صغيرة تتكاثر في الروح. ينسج الشهبي، بلغة مكثفة وشعرية، خيوط علاقة معقّدة بين الذات والجماعة، بين الخضوع والتمرد، بين طاعة تبدو فضيلة، وحرية يدفع ثمنها الفرد من دمه. الأب فيها ليس مجرد أب، بل تجسيد لصوت المجتمع الجاثم، والأم الغائبة ليست فقط أمًا، بل رمز لغياب الدفء والاحتواء، فيما الإخوة يمثلون لامبالاة عالم لا ينتبه إلا حين ينهار الآخر.

الرواية تسائل القارئ بحدة: هل البرّ فعل حبّ؟ أم مجرد استسلام لناموس العائلة؟ هل التضحية طريق للنبل؟ أم تذويب بطيء للذات؟ ومع كل فصل، يتآكل شيء من خديجة… ومعه يتعرّى شيء فينا. فالرواية لا تُعطي أجوبة، بل تفتح أبوابًا مواربة على قضايا مسكوت عنها: صمت النساء، ثقل الواجب، وذاك الإحساس الغامض بأنك تعيش حياة ليست لك.

أحمد الشهبي، في "المرضية"، لا يكتب قصة امرأة واحدة، بل يوقظ في كل قارئ ندبةً كان يحاول نسيانها. عمله هذا شهادة أدبية شجاعة، بقدر ما هو مرآة لواقع مُعاش، وصرخة مكتومة ضد منطق الرضا القسري. رواية تمضي بك في دروب الوجع، لكنها لا تنسى أن تترك شمعة صغيرة مضيئة على أطراف النفق.

"المرضية" ليست رواية تُقرأ فقط، بل تجربة تُعاش.

حقوق النشر © برشلونة الأدبية جميع الحقوق محفوظة
x